المدح والثناء على الله

المدح والثناء على الله

يُعدّ المدح والثناء على الله عز وجل من أسمى مقامات العبودية وأرقى مظاهر الإيمان، وهو بابٌ عظيم من أبواب التقرب إلى الله، يجمع بين المحبة والتعظيم والإجلال. وليس المدح مجرد كلمات تُقال أو صيغ تُردد، بل هو عبادة قلبية ولسانية وعملية تتجلى في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وتمجيده بما هو أهله، وشكره على آلائه، وتقديره حق قدره سبحانه. وقد اعتنت النصوص الشرعية ببيان فضل الثناء على الله، وأشادت بمقامه في الدنيا والآخرة، وقرنت بين الثناء على الله وبين أعظم العبادات كالصلاة والدعاء، لما له من أثرٍ في ترسيخ العقيدة وزيادة الإيمان وتحقيق التوكل والخضوع الكامل لله.

مفهوم المدح والثناء في اللغة والاصطلاح

المدح في اللغة هو: الإطراء والثناء الجميل، وهو يكون غالبًا على صفاتٍ ذاتية أو أفعالٍ محمودة. أما الثناء، فهو تكرار المدح والإشادة، وله ارتباط وثيق بالإجلال والتعظيم.

وفي الاصطلاح الشرعي، فإن المدح والثناء على الله هو: وصف الله تعالى بما هو أهله من صفات الكمال، والتنزيه عن النقائص، وإظهار العظمة، وحمده على إحسانه ونعمه، وتمجيده تعظيمًا يليق بجلاله وكبريائه.

الأساس العقدي للمدح والثناء على الله

المدح والثناء ينبعان من العقيدة الصحيحة، إذ لا يُمكن للعبد أن يُثني على الله حق الثناء إلا إذا عرفه حق المعرفة. فمعرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا تفتح للعبد آفاقًا واسعة للثناء عليه، لأنه يدرك عظمة خالقه وقدرته ورحمته وعدله وعلمه.

وقد حثّ الإسلام على تدبر الأسماء الحسنى لله عز وجل، فجاء في الحديث الشريف:

“إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة” (رواه البخاري ومسلم).

ومعنى “أحصاها” أي عرفها، وتدبرها، وعمل بمقتضاها، ودعا الله بها، وأثنى عليه بحسب معانيها.

أنواع المدح والثناء على الله

أولًا: الثناء بالأسماء الحسنى والصفات العلى

هذا هو أصل الثناء، بأن يُذكر الله بأسمائه وصفاته على وجه التعظيم والتقديس، كما جاء في دعاء النبي ﷺ:

“اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك…” (رواه أحمد).

ومن ذلك قول العبد: “يا رحمن، يا رحيم، يا غفور، يا كريم، يا عليم، يا حكيم، يا قدير…”، فهو مدحٌ لله وتمجيد له بحسب أسمائه وصفاته.

ثانيًا: الثناء على الله في الدعاء

قال النبي ﷺ: “إذا دعا أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بما شاء” (رواه أبو داود والترمذي).

فالدعاء لا يُقدَّم مباشرة، بل يُفتتح بالثناء على الله، وذلك من كمال الأدب مع الله، وتأكيدًا لحقيقة العبودية، وتوسلًا إليه بما هو أهله.

ثالثًا: الثناء على الله في الصلاة

الصلاة كلها ثناء على الله، من أولها إلى آخرها. ففي فاتحة الكتاب:

“الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين”

هذا ثناء محض، ولذلك ورد في الحديث القدسي:

“قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي…” (رواه مسلم).

رابعًا: الثناء على الله في التسبيح والذكر

الأذكار مليئة بألفاظ المدح والثناء، مثل:

• “سبحان الله” (تنزيه لله عن النقص).

• “الحمد لله” (الثناء على النعمة والكمال).

• “الله أكبر” (التعظيم).

• “لا إله إلا الله” (توحيد وتمجيد).
  
  وقد قال النبي ﷺ: “أفضل الدعاء: الحمد لله” (رواه الترمذي).

آثار المدح والثناء على النفس

1. زيادة الإيمان: لأن الثناء على الله يستلزم المعرفة به، وكلما ازداد العبد معرفةً بربه ازداد إيمانًا ويقينًا.

2. استجلاب رحمة الله: فالله يحب من عباده الثناء عليه، ويكافئهم عليه، كما ورد في الحديث:
   
   “من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب…” (رواه البخاري).

3. الطمأنينة والسكينة: فمن أكثر من الثناء على الله وذكره، وجد في قلبه راحة وسلامًا عميقًا.

4. استجابة الدعاء: من أعظم أسباب قبول الدعاء، أن يبدأ العبد بتمجيد ربه والثناء عليه.

5. علوّ المقام عند الله: من أكثر من ذكر الله وتعظيمه، رفع الله ذكره، كما قال تعالى:
   
   “فاذكروني أذكركم” [البقرة: 152].

المدح والثناء في القرآن الكريم

جاءت آيات كثيرة تتضمن المدح والثناء على الله، منها:

• “هو الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون…” [الحشر: 22-24].

• “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها” [الأعراف: 180].

• “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم” [الإسراء: 44].

• “الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون” [الأنعام: 1]، وهي افتتاحية قرآنية تجمع بين الخلق والإحسان، وفيها تعظيم لله.

المدح والثناء في سنة النبي ﷺ

النبي محمد ﷺ هو إمام الحامدين والمثنين على الله، وقد كان يبدأ دعاءه بثناء بليغ، ومن ذلك:

• “اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّام السماوات والأرض ومن فيهن…” (رواه البخاري ومسلم).

• وكان ﷺ يقول في السجود:
  
  “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي” (رواه البخاري).

وقد علّم أصحابه أن يُثنوا على الله في كل أحوالهم، وعلّمهم أدعية مليئة بالمدح، مثل:

“اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت…” (دعاء سيد الاستغفار، رواه البخاري).

المدح والثناء في حياة الصحابة والتابعين

كان الصحابة رضوان الله عليهم يقتدون بالنبي ﷺ في تعظيم الله وتمجيده، وكانوا إذا ذكروه خضعت قلوبهم، وارتفعت أكفهم بالدعاء والثناء.

• قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في دعائه:
  
  “اللهم إن كنت لا تغفر إلا للمحسنين، فمن للمسيئين؟! اللهم اغفر لي، فإنك غفورٌ رحيمٌ، حليمٌ كريمٌ.”

• وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
  
  “يا من دلّ على ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجلّ عن ملاءمة كيفياته…”، وهو دعاء مليء بالتوحيد والمدح.

المدح والثناء في أذكار المسلم اليومية

المدح والثناء على الله متغلغل في حياة المسلم اليومية:

الفرق بين المدح والثناء والحمد

مقام الحامدين في الآخرة

الحمد والثناء على الله لا يتوقفان في الدنيا، بل يستمرّان في الآخرة.

قال تعالى:

“وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين” [يونس: 10]

وهو ختام ما يقوله أهل الجنة.

وقال سبحانه:

“دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيّتهم فيها سلام” [يونس: 10]

فهؤلاء هم أهل الذكر والثناء، الذين امتلأت صحائفهم بكلمات التعظيم والتمجيد.

الخاتمة

المدح والثناء على الله ليس مجرد لفظٍ يُردّد، بل هو عبادة شاملة تُحيي القلب، وتربط العبد بربه، وترتقي بروحه في مقامات العبودية. وكلما ازداد العبد ثناءً على الله، ازداد قربًا منه، وتوفيقًا في دنياه وآخرته. فالمدح والثناء من أعظم العبادات القلبية التي تُثمر حبًا وخشيةً ورجاءً، وتغرس في النفس الطمأنينة، وتُضيء لها دربها إلى الجنة.

المراجع:

1. تفسير ابن كثير – مكتبة دار ابن حزم

2. جامع العلوم والحكم – الإمام ابن رجب